بدأت القصة فى دستور إيطاليا لسنة 1947م الذى دخل حيز التنفيذ سنة 1948م كان ينص على أن : "الدفاع عن الوطن واجب مقدس على كل مواطن و الخدمة العسكرية إلزامية في حدود القانون".
لم يكن الطريق الى اعتراف إيطاليا بحق الإعتراض الضميرى بالأمر السهل.
القصة :
قبل
الحرب العالمية الأولى كان هناك سخط شعبى فى إيطاليا لكونهم رافضون
أستخدام السلاح ورافضون كل أشكال العنف ووصل ذروت هذا السخط مابين (1915
الى 1918) وظهر أول معترض ضميرى على الخدمة العسكرية وهو "ريميجو كومينيتى "
( Remigio Cuminetti) وكان من شهود يهوا عام
1916م أى أثناء الحرب العالمية الأولى وانتهى به الأمر للمحاكمة بتهمة
التهرب من الخدمة العسكرية ورفضة ارتداء الزى العسكرى , فى ذلك الوقت تهرب
من الخدمة العسكرية نحو 470 ألف مواطن إيطالى , وفى عام 1940م حكم على 26
شخص من شهود يهوا بالسجن لرفضهم الخدمة العسكرية وكان أبرز من حكم عليهم
بالسجن لفرضهم الخدمة العسكرية من شهود يهوا هما "رودريجو كاستيلو"
(Rodrigo Castiello) و "إينيريكو شيرونى" (Enrico Ceroni).
بعد
الحرب العالمية الثانية انطلقت احتجاجات واسعة ضد التجنيد الإجبارى ولكن
قوبلت هذة الإحتجاجات بقمع شديد من قبل الحكومة , وفى عام 1948م ظهر معترض
ضميرى على الخدمة العسكرية ولكن من نوع أخر وهو "بيترو بينا"
لرفضة استخدام السلاح وحكم عليه ب 10 اشهر سجن إلى انه لم يكمل ال10 اشهر
فى سجن بسبب الأحتجاجات التى كانت تنطلق فى شوارع إيطاليا تطالب الحكومة
بالأفراج عنه , وبسبب الضغوط التى مارسها الشعب ضد الحكومة قررت الحكومة
الأفراج عنه وإعفاءة من الخدمة العسكرية.
فى
عام 1949م وبعد ظهور الأعتراض الضميرى على الخدمة العسكرية , عرض مشروع
قانون الأعتراف بالأستنكاف الضميرى فى البرلمان الإيطالى إلى أنه لم يبت فى
أمر هذا المشروع .
فى
اوائل الستينيات ظهر أعتراض من نوع جديد وهو أعتراض الكاثوليك على أداء
الخدمة العسكرية حيث هذة الخدمة ضد معتقادتهم التى نص عليها الأنجيل وهى (
لا تقتل ) و (حب قريبك كنفسك) و أول كاثوليكى أعترض على الخدمة العسكرية فى
سنة 1962م هو "جوزينى" وكانت أسبابه دينية و بعده ظهر الأب "بالوتشى" الذى تعرض للهجوم من قبل الكنيسة بشكل رسمى وكان من دافع عنه هو الأب "ميلانى" حيث كتب فى هذا الوقت كتيب اطلق عليه أسم (الطاعة لم تعد فضيلة),
تعرض هو الأخر لهجوم شديد من قبل الكنيسة ألى أن توفى فى عام 1967م, فى
العام الذى مات فيه الأب "ميلانى" قرر رئيس بلدية فلورنسا "جورجيو لا بيرا"
عرض فيلم "لا تقتل" على الرغم من الحظر التى فرضتة الرقابة على الفيلم حيث
ركز الفيلم على الأستنكاف الضميرى,
وكان أبرز الرافضين الخدمة العسكرية فى ذلك الوقت هم ( الكاثوليك - شهود يهوا - الرافضين استخدام السلاح).
فى عام 1968م تزايد عدد الشباب الذين
أختارو السجن بدلاً من الخدمة العسكرية و فى مابين عامين 1970و1971 تقدم 7
أشخاص بأعتراضات جماعية جميعها كانت أسباب سياسية من الدرجة الأولى, وفى
عام 1972 تم سجن عشرات المعتراضين على الخدمة العسكرية وأكثر من 250 شخص من
شهود يهوا, فى ذلك الوقت بدء الرأى العام يلتفت لهذا الأمر و انطلقت
الأحتجاجات و الأعتصامات التى تطالب بالأفراج عن المعترضين و ألغاء التجنيد
الأجبارى و تضامن الأحزاب السياسية مع المحتجين على سجن المعترضين وشكلوا
ضغطاً على المؤسسة العسكرية وأيضاً فى ذلك الوقت تقدم عضو البرلمان الإيطالى "جوفانى ماركورا" (Giovanni Marcora)
بمشروع قانون الخدمة البديلة لمن يرفضون حمل السلاح ووافق علية البرلمان
فى يوم 15 ديسمبر حيث اصدر قانون رقم 772 لسنة 1972م الذى اعطى الحق فى
الأستنكاف الضميرى على الخدمة العسكرية و استبدالها بخدمة عسكرية غير مسلحة
بديلة فى لثلاث حالات فقط وهم (الأخلاقية و الدينية والفلسفية).
وفى ذلك الوقت تقرر الأفراج عن المعترضين
على الخدمة العسكرية وهذا الوقت يمثل تغيراً تاريخياً فى القانون الإيطالى
لأنه قدم لمن يرفض الخدمة العسكرية المسلحة بأخرى خدمة عسكرية غير مسلحة ,
بمعنى اخر أن من يرفض الخدمة العسكرية لأنها مسلحة سوف يخدم فى المؤسسة
العسكرية ولكن فى أماكن لا تحتاج لحمل سلاح ولمدة 8 أشهر أطول من مدة
الخدمة العسكرية المسلحة التى حينها كانت 15 شهراً .. اذن لم تعترف إيطاليا
بحق الأعتراض الضميرى بشكل كامل.
بعد اعتراف إيطاليا بشكل جزئى على
الأعتراض الضميرى تقرر إنشاء حركة المعترضين الضميرين على الخدمة العسكرية
بشكل كامل ورفضهم الخدمة العسكرية الغير مسلحة وكانوا يطالبون الحكومة
بالأعتراف بحق الاعتراض الضميرى بشكل كامل , وبعد سنوات من محاربة هذا
القانون وانشاء منظمات وحركات تقاتل من أجل إحداث تغير فى القانون
والأعتراف الكامل بحق الأعتراض الضميرى, فى عام 1992 اطلق البرلمان قانون
جديد يعترف بشكل كامل بحق الأعتراض الضميرى ولكن الرئيس "فرانشيسكو كوسيجا"(Francesco Cossiga) حينها رفض التوقيع على القانون بأعتبارة قانون غير دستورى.
بعد ذلك تزايد عدد المعترضين على الخدمة
العسكرية الى أن وصلوا نحو 16 ألف شاب فى عام 1990م و نحو 30 ألف عام
1994م و نحو 70 ألف عام 1998م.
وبعد عدة محاولات فاشلة وبعد مناقشة ذلك
الأمر فى الحادى عشر والثانى عشر من يوليو تقرر الأعتراف الكامل بحق
الاعتراض الضميرى فى قانون رقم 230 لسنة 1998 فى ذلك القانون اصبح للشباب الأختيار بين الخدمة العسكرية او الخدمة المدنية.
فى 14 نوفمبر سنة 2000 ظهر مشروع قانون
جديد من خلالة تم تغير مسمى خدمة الى وظيفة حيث أصبح من يريد الأنضمام
للمؤسسة العسكرية سوف ينضم إليها لكنها سوف تصبح وظيفته وليست خدمة, وفى
اغسطس سنة 2004م أى بعد خمس سنوات على صدور قانون رقم 230 ,صدق البرلمان
على قانون وقف التجنيد يوم 23 اغسطس سنة 2004م بقانون رقم 226 الذى نص على
(تعليق الخدمة فى الخدمة العسكرية وتحويلها من خدمة الى مهنة).
بذلك تنتهى رحلة ألغاء التجنيد الإجبارى
فى إيطاليا بعد صراع وشجاعة كل من أعترض على الخدمة العسكرية فهؤلاء اليوم
أبطال , قدموا خدمة جليلة للأجيال الحالية .. كم أتمنى أن يصبح التجنيد فى
مصر أختيارى كما حدث فى إيطاليا وجميع دول العالم التى اقرت بحق الأعتراض
الضميرى وألغت التجنيد فنحن لسنا اقل منهم فى شىء فلدينا شجعان يرفضون
الخدمة العسكرية مثل (مايكل نبيل سند و هيثم الكاشف و عماد الدفراوى ومحمد
فتحى .... لا استطيع أن أغلق القوسين لأننى أعلم جيداً أنه سوف يزداد أعداد
الشباب الرافض للتجنيد خلال العامين القادمين.
انهى مقالتى هذة بالأنحناء تقديراً وأحتراماً لكل شجاع دفع أو مازال يدفع ثمن الحرية من أجل الاخرون.